بين بيزنطة والأغالبة
بدأ فتح صقلية في العام (817م-212هـ) فكانت هنالك صدامات عسكرية محدودة بين الأغالبة والدولة البيزنطية، وتجدد عقد معاهدات للهدنة في زمن زيادة الله بن إبراهيم الأغلب على أن يتوقف القتال لمدة عشر سنوات.
وقد ثار فيمي وهو أحد قادة الأسطول البيزنطي على الإمبراطور البيزنطي نتيجة صراعه مع والي جزيرة صقلية قسطنطين، وكان نتيجة هذا الصراع استقلال فيمي بالجزيرة وإعدام قسطنطين ونادى نفسه إمبراطورًا إلا أن أحدهم قام ضده وأعلن ولاءه لإمبراطور البيزنطيين وهزم فيمي. الأمر الذي جعل فيمي يلجأ إلى الأغالبة فهو على معرفة بطموحهم السياسي ونتيجة للنجاح الذي أحرزه العرب في جزيرة كريت ضد الأسطول البيزنطي، فعرض فيمي سيادة صقلية على الأمير زيادة الله على أن يبقى فيمي إمبراطورًا لصقلية ويلتزم بدفع الجزية للأمير زيادة الله.
عرض زيادة الله الأمر على فقهاء القيروان وحدث خلاف فقهي بين أسد بن الفرات وأبو محرز بن محمد وسحنون بن قادن، فكان من رأي أبو محرز أننا لا يجب أن نقطع الهدنة التي بيننا وبينهم. وقال آخرون أن الدولة البيزنطية هي من خرقت الهدنة أولاً وأن هنالك أسرى مسلمين يعانون في السجون البيزنطية!
أما سحنون بن قادن فسأل كم المسافة بين صقلية وأوروبا؟ قالوا: يذهب الرجل من صقلية إلى إيطاليا ويعود في اليوم مرتين وثلاثة، قال: فكم المسافة بينها وبين إفريقية؟ قالوا: مسافة يوم وليلة، قال: لو كنت طيرًا ما وقعت عليه. أي أن سحنون بن قادن يرى في الأمر أنها مجازفة غير مدروسة وأن عليهم الانشغال بجمع معلومات أدق عن صقلية أولاً.
في حين أن القاضي أسد بن الفرات دعا بحماس إلى إعلان الجهاد وأخذ الأمير زيادة الله برأيه. علق العلماء على هذه المسألة وقالوا: “إن أسد بن الفرات أوسع علمًا وأغزر فقهًا من أبي محرز، لكن أبي محرز أكثر إصابةً في الرأي.. “. وولَّى الأمير زيادة القاضي أسد بن الفرات قيادة الحملة العربية. وعلى الرغم من خلفية أسد الدينية إلا أنه لا تُنسب له أية خبرة عسكرية سابقة!
يقول المؤرخون أن الحملة ضمت 15 ألف رجلاً وما بين 70-100 مركب وانضمت إليهم قوات فيمي وعند ميناء سوسة وفي عام 212 هجريًا خطب أسد بن فرات فيهم قائلاً:
يا معشر الناس والله ما ولَّي لي أبٌ ولا جدٌ ولاية قط! ولا أحد من سلفي رأى هذا قط، وما رأيت ما ترون إلا بالأقلام فأجهدوا أنفسكم وأتعِبوا أبدانكم في طلب العلم وتدوينه، واصبروا على شدته فإنكم تنالون به خيري الدنيا والآخرة.
فاتجهوا صوب صقلية وأوقعوا هزيمة بالجيش البيزنطي بعد أن تم الاستيلاء على مدينة مازارا ثم أرادوا التقدم إلى سيراكوزا، وفي طريقهم إليها لقيهم بعض ممثلي الدولة البيزنطية وعرضوا أن يدفعوا الجزية، لكنها كانت خدعة. فقد كان البيزنطيون منهمكين في تحصين سيراكوزا وبعد أن فرغوا من تعزيز تحصيناتهم رفضوا أن يدفعوا إلى أسد الجزية التي وعدوا بها.
يتبع بإذن الله....
#سلسلة_تاريخ_صقليةعرض المزيد ...