-
وواللهِ، لو كُشِفت لنا أكنَّةُ الغيبِ ما اخترنا إلا خِيرَةَ اللهِ.
كم خارَ اللهُ لعبدِه وهو كارهٌ؟
كم طوى له المنحةَ في طيِّ المحنةِ؟
روی مکحولٌ أنَّ ابنَ عمرَ -رضيَ اللهُ عنه- كانَ يقولُ: «إنَّ الرَّجلَ ليستخيرُ اللهَ، فيختارُ له، فيتسخَّطُ على ربِّه، ولا يلبثُ أن ينظرَ في العاقبةِ، فإذا هو قد خِيرَ له».
وكم من الأقدارِ رأينا فيها عُقبى الخيرِ، وكنَّا نبيتُ اللَّياليَ حَزانى أنَّ اللهَ كتبَها، نشكوها إليه، فصارت بعد شطرٍ مباهجَنا في
الحياةِ، ومنبعَ سعادتِنا في الدنيا!
قال ابنُ القيِّم: «وإنَّما يشتدُّ البلاءُ على العبدِ إذا فارَقَ ملاحظةَ النَّعيمِ».
وما أعذبَ قولَ الشَّاعرِ:
يجري القضاءُ وفيه الخيرُ نافلةٌ
لمؤمنٍ واثقٍ باللهِ لا لاهي.
إن جاءَه فرحٌ أو نابَه ترَحٌ
في الحالتَين يقولُ «الحمدُ للهِ».
كان السَّلفُ -أنعشَ اللهُ أرواحَهم بالرِّضا- تصيبُ أحدَهم الفاجعةُ، فيُرى في النَّاسِ وما عليه أثرُها؛ لعُمقِ إيمانِهم باللهِ، ويقينِهم به، ورضُوانِهم بما يقضي ويُقدِّرُ -نسألُ اللهَ من فضلِه-.
وما برحَ الرِّضا عن اللهِ مقامًا تتقرَّحُ قلوبُ الصَّالحين فرَقًا أن تُحرَمَه.
هذا أحَدُ السَّلفِ قُتِل ابنٌ له في سبيلِ اللهِ؛ فبكى، فقيل له: «تبكي ابنَك وقد قُتِلَ في سبيلِ اللهِ؟!».
قال: «إنَّما أبكي كيف رضاه عن اللهِ -عزَّ وجلَّ- حين أخذَتْه السُّيوفُ!».
ونحن كيف رضانا عن اللهِ حين تأخذُنا سيوفُ المِحَنِ؟
كيف رضانا عَن اللهِ حين تُشهِرُ علينا المواجعُ أسِنَّتَها؟
- لِقائلِه.
Показати повністю ...