«قبسات مع عام هجري جديد1»
ونحن نستقبل العام الهجري الجديد، اخترنا لكم تلك القصة العظيمة التي اختارها عمر -رضي الله عنه- والصحابة لتكون تاريخًا للأمة تلك الحادثة التي نصر الله بها الدين وقلب الموازين.
لقد مكث عليه الصلاة والسلام ثلاثة عشر عامًا بمكة يدعو إلى لا إله إلا الله.
سنوات طويلة من التعذيب والإيذاء والتشريد والابتلاء.
وبعد اشتداد الأذى ينام عليه الصلاة والسلام في ليلة من الليالي على فراشه فيرى دار الهجرة وإذا هي أرض ذات نخل بين لابتين؛ إنها طيبة الطيبة.
ومن مكة تنطلق ركائب المهاجرين ملبيةً نداء ربها مهاجرةً بدينها مخلِّفةً وراءها ديارها وأموالها.
ويهم أبو بكر بالهجرة فيستوقفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويقول: لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا.
وعلى الجانب الآخر تشعر قريش بالخطر الذي يهدد كيانها بهجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، فتعقد مؤتمرًا عاجلاً في دار الندوة للقضاء على محمد قبل فوات الأوان.
ويحضر الشيطان معهم على صورة شيخ نجدي، قال بعضهم: احبسوه في الحديد حتى يموت، وقال بعضهم: أخرجوه وانفوه من البلاد، وبعد أن قوبل هذان الاقتراحان بالرفض تقدم فرعون هذه الأمة أبو جهل برأي خبيث ماكر فقال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتىً شابًّا جليدًا نسيبًا, ثم نعطي كل فتىً منهم سيفًا صارمًا فيضربون محمدًا ضربة واحدة فيقتلوه فيتفرق دمه في القبائل, فأعجب القوم بهذا الرأي حتى إن الشيطان الذي لم يستطع الإتيان بمثله أيده وقال: القول ما قال الرجل هذا الرأي لا أرى غيره.
ووافق الحضور على هذا القرار الغاشم بالإجماع وبدأوا في التنفيذ.
وينزل جبريل فيخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلك المؤامرة ويقول: يا محمد لا تبِت في فراشك الليلة.
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
وفي بيت أبي بكر كان أبو بكر جالسًا مع أهله في الظهيرة؛ إذ أقبل النبي عليه -الصلاة والسلام- متقنِّعًا مغطيًا رأسه، ففزع أبو بكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأتيهم في تلك الساعة, يدخل النبي عليه -الصلاة والسلام- فيقول: يا أبا بكر أَخرِج مَنْ عندَك.
قال أبو بكر: إنما هم أهلك يا رسول الله قال: فإني قد أُذن لي في الخروج.
قال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله.
فقال: نعم.
فبكى أبو بكر ولسان حاله يقول:
طفح السرور عليَّ حتى إنني *** من عظم ما قد سرني أبكاني
ويعود صلى الله عليه وسلم إلى بيته ويعرِّف عليًّا بالأمانات التي عنده ليؤديها إلى أهلها وفي ظلمة الليل يجتمع المجرمون ويطوقون منزله عليه الصلاة والسلام.
وفي هذه الساعة الحرجة يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليًّا أن يبيت في فراشه وأن يغطي رأسه ببرده الحضرمي.
ويفتح النبي -عليه الصلاة والسلام- الباب ويخترق صفوف المجرمين يمشي بين سيوفهم وهم لا يرونه، ثم يأخذ من تراب الأرض ويذره على رؤوسهم الواحد تلو الآخر ثم يمضي بحفظ الله.
وكان المجرمون ينظرون من شِقّ الباب فيرون عليًّا على الفراش، فيظنون أنه النبيُ -صلى الله عليه وسلم- فلما أصبحوا اكتشفوا الأمر، وأخذوا ينفضون التراب عن رؤوسهم.
سمعت قريش بالخبر فجنَّ جنونها وثارت ثائرتها، فوضعت جميع طرق مكة تحت المراقبة المشددة، وأعلنت عن جائزة كبيرة قدرها: مائة ناقة لمن يعيد محمدًا أو أبا بكر حيين أو ميتين.
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن قريشًا ستجدّ في الطلب شمالاً باتجاه المدينة.
فاتجه هو وصاحبه جنوبًا إلى غار ثور على طريق اليمن، ولما انتهيا إلى الغار روي أن أبا بكر دخل الغار وسد جحوره بإزاره حتى بقي منها اثنان فألقمهما رجليه, ثم دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونام في حجر أبي بكر وبينما هو نائم إذ لُدغت رجلُ أبي بكر من الجحر فتصبّر ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نومه، لكن دموعه غلبته فسقطت على وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيستيقظ ليرى صاحبه قد لُدِغ، قال: يا أبا بكر مالك؟ قال: لُدِغت فداك أبي وأمي.
فتفل صلى الله عليه وسلم على رجله فبرأت في الحال.
عبد الله بن أبي بكر شاب ذكي نبيه، بطل من أبطل الصحابة كان يصبح مع قريش فيسمع أخبارها ومكائدها فإذا اختلط الظلام تسلل إلى الغار وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- الخبر فإذا جاء السحر رجع مصبحًا بمكة.
وكانت عائشة وأسماء يصنعان لهما الطعام ثم تنطلق أسماء بالسفرة إلى الغار ولما نسيت أن تربط السفرة شقت نطاقها فربطت به السفرة وانتطقت بالآخر فسميت بذات النطاقين.
وكان لأبي بكر راعٍ اسمه عامرُ بنُ فهيرة فكان يرعى الغنم حتى يأتيَهما في الغار فيَشْرَبان من اللبن، فإذا كان آخرُ الليل مرّ بالغنم على طريق عبد الله بن أبي بكر ليخفي أثر أقدامه.
يتبع...
اللهم نصرك الذي وعدت🤲🏻🍀
Show more ...