73- كتب المسلمين أم كتب الغربيين؟!
"Do what you want, even if you ignite your fingers as candles, u will not please everyone!"
عبارة شهيرة مكتوبة في متحف شهير، وقيل أنه "اللوفر" في فرنسا ومعناها: "افعل ما يرضيك، فلو أوقدتَ أصابعك شمعاً لم تنَل رضا الجميع!"
ولستُ أحفل بفرنسا اللعينة، ولا متاحفها المليئة بالمسروقات! ولا بأفكارهم ولا كتاباتهم، وليذهبوا جميعاً إلى الجحيم!
ولكن هذه العبارة، كتبتُها في مقدمة أكثر دفاتري أيام الثانوية، حيث كنتُ متأثراً بها جداً، ولو أني لم أطبقها في حياتي!
تصفحتُ اليوم دفتراً قديماً لي، فوجدتُها، وأدري أن معناها صحيح؛ ولكن في لغتنا خيرٌ منها وأعم وأشمل وأفضل!
"إرضاء الناس غاية لا تُدرَك" خمس كلمات فقط، هي أبلغ وأفصح من تلك العبارة!
وهنا أطرح سؤالاً:
ما لنا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
إذا كنتَ ريفياً بدوياً، وتريد جواباً مختصراً، فهناك مثلاً شائعاً في بلادي اليمن، يقول: "بصل السوق حالي!" وفي معناه كفاية!
وإن كنتَ مثقفاً! تريد جواباً علمياً فهاكَ هو:
شعور النقص الذي يستولي علينا، يعطينا انبهاراً بكل ما هو أجنبي! ويكأن هذا الشيء عليه قداسة، ولا يحتمل الخطأ! لأننا نتوهم في الغربيين الكمال البشري في الفكر والتنظيم والتقدم!
تباً للحماقة! وتباً للانقياد!
ورحم الله ابن خلدون وهو في قبره، إذ قال فصَدَق: "المغلوب مُولع بتقليد الغالب!"
لا أريد فيلسوفاً يناقشني وهو متجرد للحضارة الغربية المزعومة، ومدافع عنها، لأني سأوجعه في الردود! وأذكره بأصل أولئك القوم، وأنهم زناة بني زناة! وصفهم ربهم أنهم إخوة القردة والخنازير! وفي الآخرة حطب جهنم هم فيها خالدون!
لذلك دعوني ساكتاً لا أتكلم!
بل أريد رجلاً منصفا يناقشني الحجة بالحجة، ويخبرني بإنصاف؛ أولئك القوم.. ماذا لديهم من علوم؟ ومن أين أتوا بها؟ ومن الذي أسسها بادي الأمر؟
الحمد لله جميعنا نعرف الإجابة.
ويبقى السؤال: لماذا برزوا اليوم في علوم الدنيا، وتخلفنا نحن؟
لن تعجبنا الإجابة ولكنها الحقيقة المُرة؛ وهي أننا حمقى منبطِحون!
لو أننا اتبعنا القرآن حقاً لرأينا فيه كل الإشارات التي تحث على العلم والعمل، وليس علوم الشرع وحدها، وهي أجل وأشرف العلوم بلا شك، ولكن لا بد لنا من يدٍ تبني ويدٍ تُطبب وأخرى تُعلم وأخرى تُدافع!
دعونا نتقبل -على مَضَض- أن الكتب الغربية الحديثة في الفيزياء والفلك والهندسة والطب هي أفضل نسبياً من كتبنا، ولكننا نعلم حقاً وسيقبلون هم غصباً عنهم أن كتبنا في الدين والأحكام والتاريخ والسير والتراجم والآداب والأدب وعلوم النفس ومباحث الذات هي أعلى كعباً وأجل قدراً من كل كتبهم -الغُثائية!- في القديم والحديث!
وأكثرهم أصلاً يعرفون هذا، وكم قد صرَّح فلاسفتهم ومفكريهم بهذا، ولكن لأن بعض شبابنا ربما لا يُصدقون؛ لأنهم قد ألِفوا الانبطاح، فأقول لهم أن ذاك الكلب اليهودي "مارك زوكربيرغ" مؤسس الفايسبوك، استنتج واستنبط سيكولوجية التعامل مع الجماهير من الكتاب الشامخ "مقدمة ابن خلدون" لصاحبه الإمام العالِم المسلم الشامخ "عبد الرحمن بن خلدون".
أكثرهم يعرفون هذا، لكن أكثرنا يجهله، وربما يتجاهله، حتى أنه يأتي المُنبطح أمامنا مفتخراً أنه قد قرأ الكتاب الفلاني، للمؤلف الغربي الذي أتى بما لم تستطِعه الأوائل!
أرأيتم؟!
يا لَلروعة! يا لَلهول!
صاحبنا الآن سيصبح عملاقاً مفكراً بسبب ذلك الكتاب!
تباً للحماقة التي أعيَت من يُداويها.. تباً لها!
من يُخبر ذاكَ الأحمق أن كتب الغرب فيها السم والعسل، فإذا تركنا السم، وأخذنا العسل -حسب قولهم-، وجدناه عسلاً صناعياً باهتاً، قد تركنَه النحل ووقع الذباب عليه!
وتعرفون من هم النحل ومن هم الذباب!
ولو أنه يمَّمَ وجهه شَطر كتب المسلمين لوجد كل فنون الدنيا فيها؛ لوجد العلوم وتحقيقها وتفاصيلها وأدلتها، ووجد الفنون الجميلة وأساليب تعلمها والتمتع بها، ووجد كتب التاريخ والتراجم وهي تقُص علينا قصة البشر جميعهم من عصر أبينا آدم إلى قيام الساعة، وهم يُبعثون ويحيَون، أمَماً تحيا وتُحيي الأرض، وأمَماً تموت وتبتلعها الأرض، سيرى أمجادهم وفضائلهم ليتعِظ منها، ومساوئهم ليتعِظ بها، كله في شريطٍ متسلسلٍ طويل بين دفتي الكتاب!
أخبروه عن "البداية والنهاية" وعن "سير أعلام النبلاء"، وإن أراد المتعة والأدبيات فأعطوه "عيون الأخبار" و"مقامات الحريري" و"مقامات الهمذاني" وغيرها كثير.
ثم إن جاءكم بعد ذلك، يُخبركم عن كتاب العادات الذرية، والأب الغني والأب الفقير، والعادات السبع...، ونادي الخامسة صباحاً، وروايات دوستويفسكي وكريستي، واقتباسات شكسبير وقصص ماركيز، وفلان وعلان!
فأخبروه بأنها كلها نافعة جداً في شيء واحد فقط؛ أن يأخذها ويعطيها أمه تُسَجِّر بها التنور، فتصنع له كعكاً وخبزاً يُشبع بهما كرشه المُتورم!
دمتم بخير!
🖋️ محمد بن هيكل الأكحلي - ٤ ذو القعدة ١٤٤٥.
قناة بذرة وفكرة:
t.me/bethrahwafekrahShow more ...